تكشف الدراسة عن دور النشاط البشري والتغير المناخي في جعل الفيضانات القياسية أكثر احتمالًا بـ 30 مرة في الدولة
بحث في العاصفة المطرية غير المسبوقة في دولة الإمارات عام 2024 من منظور التغير المناخي

شهدت دولة الإمارات في أبريل 2024 عاصفة مطرية هي الأشد من نوعها في تاريخها على الإطلاق، حيث هطل ما يزيد عن 250 ملم من المطر خلال 24 ساعة فقط، وهي كمية تفوق المتوسط السنوي لكميات الأمطار التي تسقط على بعض المناطق، مما تسبب أدى إلى تعطل الحياة في بعض المدن كدبي وتسبب بحدوث أضرار كبيرة في البنية التحتية. وتبين دراسة جديدة منشورة في مجلة "إن بي جي كليميت أند أتموسفيريك ساينس" أسباب هذه العاصفة وتوابعها وتقدم أدلة قوية على دور التغير المناخي في زيادة احتمالات هبوب العاصفة بصورة كبيرة، كما تدعو إلى تحسين أنظمة التنبؤ بالمناخ وتخطيط عمراني حضري يراعي التغيرات المناخية وتعزيز البنية التحتية  لتقليل حدة المخاطر الناجمة عن الأحوال الجوية الشديدة مستقبلًا. 

 

وحدد الفريق البحثي الذي أجرى هذه الدراسة، بقيادة الدكتورة ديانا فرانسيس، العديد من الظواهر الجوية المتداخلة المسببة للعاصفة،فقد تلاقت ظاهرة تدفق الاضطراب الدوراني المحتمل ومنخفض البحر الأحمر والتيار النفاث العلوي لنقل الهواء الدافئ الغني بالرطوبة من بحر العرب إلى الطبقات السفلى من الغلاف الجوي فوق دولة الإمارات. وكانت درجات حرارة سطح البحر في المنطقة أعلى بقيمة تصل إلى درجتين مئويتين عن المتوسط السائد على مدى 20 عامًا، وهو ما أتاح الفرصة لانتقال الحرارة بالحمل على نحو مكثف وهطول الأمطار الغزيرة.

 

وقدّر الباحثون، باستخدام عمليات المحاكاة المناخية،أن التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري زاد من احتمال حدوث فيضان أبريل بمقدار 30 ضعفًا. وعلى الرغم من أن زيادة شدة العاصفة أقل وضوحًا، فإن التغير في التكرار فقط يعتبر ذا دلالة إحصائية كبيرة. فما كان يُعدّ حدثًا نادرًا يحدث مرة كل 10,000 عام أصبح من المحتمل أن يتكرر كل عدة قرون، وقد يزداد تكراره أكثر في المستقبل.

 

وكشفت الفيضانات تناقضات حادة داخل البيئات الحضرية، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية عالية الدقة أن الأضرار الأكبر والأشد وقعت في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والأكثر عمرانًا في دبي وأبوظبي. ولعبت عوامل تخطيط المدن والقرب من الساحل والبنية التحتية غير الكافية فيما يتعلق بالصرف الصحي أدوارًا رئيسة في تشكيل التأثيرات المحلية للسيول. وبينما ظل الوصول إلى بعض المناطق مُتاحًا، انعزلت بعض المناطق الأخرى عن الاتصال لعدة أيام.

 

تركت العاصفة أثرًا بيئيًا غير متوقع تجاوز نطاق المدن، فأظهرت عمليات الرصد التي جرت باستخدام الأقمار الصناعية خلال الشهور التي أعقبت العاصفة زيادة هائلة في نمو الحياة النباتية عبر الصحراء، وتحولت المناطق التي كانت قاحلة في عام 2023 إلى مساحات خضراء بشكل واضح  بحلول يونيو 2024. وسجلت بعض المناطق زيادة في الغطاء النباتي بنسبة تجاوزت 100 بالمئة. ويُبرِز هذا الاخضرار المؤقت في الصحراء دور الأمطار النادرة ومدى قدرتها على إحداث تحولات بيئية مؤقتة في المناطق الجافة. 

 

خلص الباحثون إلى أن التغير المناخي، وإن لم يكن قد زاد بالضرورة من شدة عاصفة أبريل 2024، إلا أنه جعل حدوثها أكثر احتمالًا بدرجة كبيرة. ومع تسارع وتيرة التوسع العمراني وضعف البنية التحتية الحالية، يساهم المناخ المتغيّر في تمهيد الطريق أمام مشكلات مستقبلية، ما لم تُتخذ إجراءات استباقية للتكيف والتأقلم مع هذه التغيرات.


ترجمة: سيد صالح
أخصائي ترجمة وتعريب