تمكن البحث عبر الدمج بين عمليات المحاكاة الرقمية والأدلة الجيولوجية من الكشف عن إمكانية تأثير تسونامي على البحيرات المائية الصغيرة
باحثون من جامعة خليفة يتعاونون مع باحثين دوليين في تطوير نموذج رياضي للكشف عن حدوث موجة تسونامي منذ 12,000عام في بحيرات الألب 

اكتشف باحثون من جامعة خليفة وجامعة سافوي مونت بلانك الفرنسية دليلًا على حدوث موجة تسونامي قديمة منذ 12,000 عام ولم يُبلّغ عنها في حينها، وكان ذلك في بحيرة إيجوبيليت، والتي تقع بجوار جبال الألب الفرنسية. واستخدم الباحثون منهجًا متعدد التخصصات العلمية يجمع بين التحليلات الجيولوجية والنمذجة الرقمية المتطورة في اجراء الدراسة التي توصلوا من خلالها إلى هذا الاكتشاف.

 

وأظهرت الدراسة أن موجات تسونامي يمكن أن تحدث حتى في البحيرات الصغيرة، وأنه ليس بالضرورة أن تحدث نتيجة انهيار صخري هائل، لأن الموجة التي اكتشفها الباحثون قد نجمت عن تقلب في الرواسب تحت الماء في أعقاب زلزال قديم.

 

وقد نُشِرَت نتائج الدراسة في المجلة العلمية الأميركية المعروفة باسم مجلة البحوث الجيوفيزيائية (جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرش- سوليد إيرث) التي تصدر عن دار  (وايلي) الأميركية للنشر. وجاءت الدراسة بعنوان "إعادة التمثيل الرقمي لموجات تسونامي الناجمة عن الانهيارات الأرضية في العصور القديمة باستخدام السجلات الجيولوجية في بحيرة إيجوبيليت بجانب جبال الألب الفرنسية" وتضمنت وصفًا تفصيليًا لإعادة تمثيل موجة تسونامي القديمة هذه وتفنيدًا للافتراضات التقليدية بشأن أسباب وسلوكيات موجات تسونامي بصفة عامة. ويتكون الفريق البحثي من الدكتور دينيس  ديتيخ، أستاذ مشارك في قسم الرياضيات بجامعة خليفة ومحمد نافيد زافار، باحث دكتوراه بجامعة خليفة والدكتور بيير ساباتيير، المحاضر في قسم علوم الأرض بجامعة سافوي مونت بلانك.

 

ونجحت نماذج المحاكاة الرقمية لموجات تسونامي التي طورها أعضاء الفريق البحثي في مطابقة البيانات الجيولوجية المُتاحة إلى حدٍ بعيد وأظهرت أن هذه الموجات القديمة قد حدثت منذ نحو 11,700 عام تقريبًا ومكنتهم من اكتشاف آثار للموجات في الطبقات الرسوبية العميقة. وتشير النمذجة الرقمية للانهيار الأرضي الذي وقع تحت الماء خلال العصر القديم إلى حدوث موجة تسونامي هائلة وقد أتاحت أيضًا معلومات قيِّمَة عن مخاطر موجات تسونامي الناجمة عن الانهيارات الأرضية  في المناطق الجبلية.

 

واستطاع أعضاء الفريق، من خلال عمليات المحاكاة باستخدام الكومبيوتر والدليل الجيولوجي الفعلي، تحديد حقيقة مفادها أن تشتت الموجات لعب دورًا ضئيلًا نسبيًا في موجة تسونامي الاستثنائية هذه لأنها حدثت في بحيرة، وهو ما يبرز أيضًا كيفية حدوث موجات تسونامي وقدرتها على التأثير في مسطحات مائية داخلية صغيرة.

 

واستخدم أعضاء الفريق تقنيات متطورة عديدة في دراسة البحيرة وتجميع البيانات عن موجة تسونامي، بما في ذلك المنطقة التي انطلقت منها الموجة. وحصل أعضاء الفريق على بيانات خاصة بأعماق البحر وتتسم بتفصيلها الشديد، ما أتاح لهم التوصل إلى قياسات بالغة الدقة لعمق البحيرة، كما استخدموا أيضًا معلومات تتعلق بالزلازل ورواسب أساسية لإنشاء وتوصيف بيانات خاصة بترسب المخلفات بكميات كبيرة في قاع البحيرة. ونجح الباحثون من خلال الاعتماد على هذه البيانات الميدانية الجيولوجية في إجراء عمليات نمذجة ومحاكاة معقدة باستخدام الكومبيوتر. واستخدم الباحثون النماذج الرياضية في محاكاة الانهيار الأرضي في قاع البحيرة وموجة تسونامي الناجمة عنه. ومن ضمن هذه النماذج التي استخدمها الباحثون  نموذج هيرشيل- بولكلي الريولوجي (الانسيابي) والذي يتسم بمرونته اللزجة وبكونه متوسط العمق، والمعروف باسم بينغكلو، حيث استخدموه لمحاكاة الإنهيار الأرضي. وأما لمحاكاة موجة تسونامي، فقد استخدم الباحثون كلَّ من نموذجَي المعادلات غير الخطية للمياه الضحلة متوسطة العمق، والمعروف باسم جيوكلو، ونموذج موجة تسونامي المشتتة، والمعروف باسم بوسكلو.

 

قال الدكتور دينيس  ديتيخ: "يُعَد البحث في موجات تسونامي التي حدثت في العصور القديمة أمرًا حيويًا نظرًا لطول الفترات الزمنية التي تتخلل حدوث هذه الموجات. ولا تقتصر أهمية هذا البحث متعدد التخصصات العلمية على تحسين مستوى فهمنا لموجات تسونامي التي تحدث في البحيرات الصغيرة فحسب، وإنما يضع هذا البحث أُسُسًا للمزيد من البحوث المستقبلية في البحيرات والمناطق الساحلية الأخرى. ولعبت مساهمات كلٍ من الرياضيين والجيولوجيين دورًا فاصلًا في البحث. ولم يكن نشر هذا العمل البحثي في هذه المجلة المرموقة ليحظى بالقبول من دون إعادة التمثيل الناجحة لموجة تسونامي باستخدام دراسات جيولوجية ورقمية".

 

يخطط أعضاء الفريق للتوسع في نطاق دراساتهم لتغطي بحيرات إضافية وإجراء عمليات مسح للرواسب الناجمة عن موجة تسونامي بالقرب من شاطئ بحيرة إيجوبيليت لتعزيز فهمهم لهذا الحدث الذي وقع خلال العصور القديمة.

 

ترجمة: سيد صالح