من المهم تقبّل التنوع الثقافي واللغوي كجزء من رحلة استكشاف علم النفس العصبي الشامل وتوسيع آفاق الاختبارات المعرفية
سد الفجوة اللغوية والثقافية في تشخيص الخرف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

يواجه العالم تحدي شيخوخة السكان في ظل التزايد الهائل لحالات الخرف التي أصبحت تشكّل قضية ملحة، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قال الأستاذ الدكتور محمد الصغير، مدير مركز ابتكار هندسة الرعاية الصحية بجامعة خليفة في هذا الصدد: "لا تُعتبر هذه الزيادة مجرد أرقامٍ فحسب، فهي أزمة صحية تضطلع فيها اللغة بدور بالغ الأهمية."

 

يوضح الأستاذ الدكتور محمد قائلًا: "تُستخدم أدوات نفسية عصبية موحدة عادةً في تشخيص التراجع المعرفي الذي يُعتبر مؤشرًا رئيسًا للخرف، وتكون هذه الأدوات مُعتمدة وتعمل بكفاءة  عند تطبيقها على اللغات المنتشرة والمدروسة جيدًا كاللغة الإنجليزية، ولكن يُشكّل التنوع اللغوي عائقًا، حيث تقف أدوات التشخيص الحالية عاجزةً أمام المتحدثين بلغات غير مدروسة بما يكفي، مما يؤدي إلى تفاوت مقلق في التمكّن من التشخيص المبكر والدقيق للخرف .”

 

تعاون الأستاذ الدكتور محمد وعلا حتاحت، مساعدة شؤون البحث والتعليم في جامعة خليفة، مع فلوريان روزر من معهد الأعصاب في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي لاستكشاف الأثر الكبير لهذه الفجوة اللغوية، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتعمق أبحاثهم في التحديات التي تفرضها الأدوات غير الكافية ونقص الخبرة، مع أخذ احتياجات سكان المنطقة في الاعتبار. يُذكر أن نتائجهم نُشرت في المجلة العلمية "ألزهايمرز آند ديمينشيا".

 

علّق الأستاذ الدكتور محمد مضيفًا: "يُمثّل تقييم القدرات المعرفية لشخص يتحدث اللغة الهوسية أو الفولانية، تحديًا حقيقيًا لأخصائي الرعاية الصحية، فمن المستبعد أن تتوفر اختبارات نفسية عصبية معتمدة للمتحدثين بهذه اللغات، لذلك قد يعتمد أخصائي الرعاية الصحية المدرَّب على بعض النُّسخ المترجمة المتاحة أو المُعدّة حسب الطلب، وقد يزداد الأمر تعقيدًا بالنسبة للعديد من المتحدثين بلغات مماثلة غير مدروسة بما يكفي، كأن تتمثل المشكلة في نقص المختصّين المدربين الذين يمكنهم إدارة الاختبارات بدقة، كما لا تقتصر هذه المشكلة على اللغات النادرة بل تنطبق على العديد من اللغات التي يتحدث بها مئات الملايين من الأشخاص، كاللغة العربية مثلًا.”

 

قال الفريق البحثي بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُشكّل نموذجًا مثيرًا للاهتمام لقياس تأثير الفجوة اللغوية على تقييم التدهور المعرفي، إذ يعيش قرابة النصف مليار شخص في 22 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أنها حققت واحدة من أعلى معدلات نمو متوقعة لعدد الأشخاص المصابين بالخرف، ويأتي هذا الارتفاع على خلفية التنوع الاجتماعي والاقتصادي الواسع، حيث تُصنَّف بعض دول المنطقة من ذوات الدخل المنخفض جدًا بينما تُصنّف أخرى من ذوات الدخل المرتفع للغاية، الأمر الذي يجعل من الصعب على هذه الاقتصادات تحمل وطأة الخرف.

 

يتميز المشهد اللغوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بازدواجية اللغة، حيث يستخدم معظم الناس اللغة العربية الفصحى الحديثة للتعليم الرسمي واللغة العربية العامية للتواصل اليومي، ويثير هذا التعقيد اللغوي أسئلة حول تأثير الازدواجية اللغوية على ظهور الخرف وتشخيصه. يُذكر أن الاختبارات الأكثر استخدامًا هي النسخ العربية من أدوات الفحص المعرفي باللغة الإنجليزية التي تقيّم الذاكرة والانتباه واللغة والمهارات المعرفية الأخرى، إلّا أنه يوجد اختلاف كبير في قيم الحد المستخدمة للكشف عن الخرف في هذه الاختبارات، كما يشكّل استخدام اللغة العربية العامية في الترجمات تحديًا إضافيًا.

 

وفي السياق، قال الدكتور محمد: "يمكن أن يساهم استخدام اللغة العربية الفصحى الحديثة في الاختبارات المعرفية، في التقليل من بعض التحديات اللغوية، ولكن استخدامها المحدود من قِبل الأجيال الأكبر سنًا ومزاحمة اللغات المنطوقة لها يُعقّد المسألة، كما يتطلب تطوير الاختبارات المعرفية باللغة العربية مراعاة المعايير والقيم الثقافية لتجنب التحيّز، وإشراك أفراد من بيئات متنوعة، بالإضافة إلى توفّر بيانات وبائية أكثر شمولًا عن الخرف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نحن بحاجة أيضًا إلى استثمارات كبيرة لتحسين التقييم المعرفي والتصدي للتحديات المرتبطة بالتنوع اللغوي والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.”

 

ترجمة: مريم ماضي 

 

يدرك الفريق البحثي صعوبة تطوير اختبارات لكل مجموعة وبكل لغة منطوقة، وأن النُسخ المترجمة قد تكون الخيار الوحيد لبعض الأفراد، إلّا أن الباحثين يشيرون إلى إمكانية دعم الآلية المتطورة الحديثة للتعلم الآلي، لجهود الترجمة لضمان شملها كل اللغات.”

 

أدى النشاط الكبير للمجتمع البحثي في علم الأعصاب المعرفي، والذي يعتمد اعتمادًا شبه كلي على الأشخاص الناطقين باللغة الإنجليزية، إلى توافر اختبارات موثوقة وفعّالة للاستخدام للمتحدثين بهذه اللغة، الأمر الذي يدعو إلى حاجة المجتمع البحثي في العلوم المعرفية إلى تعزيز مفهوم الشمولية من خلال اختيار مشاركين وباحثين يتحدثون بلغات مختلفة، حيث يمكننا توفير فرص متساوية من خلال العمل على كافة جوانب التحدي، للتمكن من التوصّل إلى أدوات تشخيصية فعّالة من الناحية الثقافية ومفيدة من الناحية العلاجية لدراسة الشيخوخة الصحية والمرضية.”