كشفت جامعة خليفة وهيئة البيئة في أبوظبي عن العلاقة التي تربط بين انخفاض نسبة التلوث الجوي خلال إغلاقات جائحة كوفيد-19 وزيادة معدل الرياح المحملة بالغبار
باحثون يتوصلون للأسباب التي حالت دون نقاء الهواء في منطقة شبه الجزيرة العربية على الرغم من انخفاض نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون خلال فترة الإغلاقات

توصلت البحوث التي أجريت مؤخرًا إلى أن الإغلاقات العالمية التي حدثت في بداية جائحة كوفيد-19 كان لها أثر ملحوظ في تحسين جودة الهواء في العديد من المناطق حول العالم، إلا أن هناك مناطق شهدت زيادة غير متوقعة في نسبة المواد الجسيمية والغبار  في الهواء.

وفي هذا الصدد، قام الفريق البحثي المكون من الدكتورة ديانا فرنسيس، رئيسة مختبر العلوم البيئية والجيوفيزيائية والدكتور ريكاردو فونسيكا، عالم بحثي، والدكتور نارندرا نيللي، باحث دكتوراه إلى جانب أوريول تيكسيدو ورقية محمد والدكتور ريتشارد بيري من هيئة البيئة في أبوظبي، ببحث تزايد الغبار في منطقة شبه الجزيرة العربية المصاحب لزيادة سرعة الرياح خلال فترة الإغلاقات التي فرضتها جائحة كوفيد-19 عام 2020. وتوصل الفريق إلى أنه على الرغم من انخفاض معدل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون التي يتسبب بها الإنسان إلا نسبة الغبار والمواد الجسيمية في الهواء قد زادت. ونشر الباحثون نتائج بحثهم في المجلة الدولية "أيوليان ريسيرتش".

يطلق على الرياح الرئيسة التي تحمل الغبار فوق منطقة شبه الجزيرة العربية اسم رياح الشمال، وتتكون نتيجة الضغط الجوي ثنائي الأقطاب بين الشرق والغرب الذي ينخفض فوق منطقة شبه القارة الهندية الباكستانية ويرتفع فوق في شمال إفريقيا. فخلال فترة الإغلاقات، أدى انخفاض نسبة انبعاث الغازات فوق شبه القارة الهندية إلى انخفاض مستويات الضغط بشكل أكبر مسببًا رياح الشمال فوق منطقة شبه الجزيرة العربية، وبالتالي ارتفاع تركيز المواد الجسيمية والغبار  فوق دولة الإمارات والمناطق المحيطة بها.

وساهمت السياسات التي وُضعت بهدف ضبط حركة الأفراد وتعزيز مسافات التباعد الاجتماعي في محاولة للحد من انتشار الفيروس في التأثير على الظروف الجوية والمحيطات من خلال انخفاض نسب انبعاث الغاز الناتج عن التلوث الذي يسببه الإنسان، حيث ساهم إغلاق المرافق الصناعية والقيود التي وضعت على حركة وسائل النقل خلال فترة شهرين من الإغلاقات بانخفاض في معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون عالميًا بنسبة 7%.

وشهدت المناطق المسؤولة عن انبعاثات الغاز بنسبة 90% من نسبة الانبعاث العالمي إغلاقات تامة في شهر أبريل 2020 أدت إلى انخفاض في نسب الغازات الضارة والذي بدوره ساهم في تدني درجات الحرارة على سطح البحر بمعدل 0.5 درجة سلسيوسية في معظم المناطق الساحلية، كما ساهم نقاء الهواء في انخفاض معدل درجات الحرارة ليلًا خاصة في المناطق الحضرية مقارنة بالمناطق الريفية. أما في فترات النهار، فإن درجات الحرارة في الهواء تكون مرتفعة نسبيًا نظرًا لعمليات امتصاص الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن أشعة الشمس.

وقد شوهد أثر ذلك بشكل ملحوظ في البيئات الأكثر تلوثًا كالمدن الرئيسة الأربع في الهند وهي، دلهي وكالكوتا ومومباي وتشيناي، حيث شكل متوسط انخفاض درجات الحرارة 3 درجات سلسيوسية شهريًا.

ومع تنوع اختلاف درجات الحرارة، تأثرت سرعات الرياح على سطح الأرض كردة فعل لذلك، إضافة لتغير معدلات الضغط الجوي محليًا.

وعلى صعيد دولة الإمارات، أدى انخفاض مستويات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون إلى انخفاض 40% في نسب الملوثات التي تشمل ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريتيك وأول أكسيد الكربون مقارنة بمستوياتها قبل الجائحة، إلا أنه زادت نسب تركيز المواد الجسيمية بمعدل وصل إلى 45%.

من جانبها، قالت الدكتورة ديانا: "أظهرت بعض الأعمال البحثية وجود انخفاض عام في نسب المواد الجسيمية خلال فترة الإغلاقات، وهو أمر لم يكن متوقعًا، نتيجة انخفاض الانبعاثات وتغير معدلات هطول الأمطار، لكن شهدت بعض المدن في أوروبا والصين زيادة في نسب المواد الجسيمية في الغلاف الجوي نتيجة انتقال الغبار. ففي المغرب، ساهم انخفاض مستويات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون محليًا زيادة معدلات الغبار والمواد الجسيمية في الغلاف الجوي، وكذلك الحال في منطقة شبه الجزيرة العربية التي شهدت دورة غبار واسعة النطاق أثرت على جودة الهواء خلال فترة الإغلاقات، لا سيما وأن المنطقة تعتبر واحدة من أكبر المصادر للغبار المعدنية في العالم".

وتوصل الباحثون إلى أن هناك زيادة تركيز في نسب المواد الجسيمية في الهواء في  منطقة شبه الجزيرة العربية على الرغم من انخفاض انبعاث الغازات السامة الناتجة عن التلوث الذي يسببه الإنسان خلال فترة الإغلاقات، ويُعزى ذلك إلى زيادة رياح الشمال التي تحمل معها الغبار من مصادره في المنطقة وتنتقل به إلى المناطق المجاورة.

وأضافت الدكتورة ديانا: "تعتبر نسبة حمل الغبار أعلى في معظم مناطق شرق شبه الجزيرة العربية في العام 2020، خاصة في الكويت والعراق والسعودية مقارنة بالنسب في السنوات الأربعة السابقة للعام 2020".

ويعتبر الغبار المسبب الرئيس لزيادة تركيز المواد الجسيمية في الهواء ويساهم تنقلها من مكان لآخر على نطاق واسع في ظهورها بشكل متزايد في المناطق المجاورة. ووفقًا للباحثين، يُعزى ارتفاع نسب تشكل الغبار  إلى زيادة معدل الرياح فوق سطح الأرض الناجم عن تغير درجات الحرارة والضغط الجوي.

وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة ديانا: "تفيد العديد من التقارير  في الكثير من الدراسات التي تم نشرها على نطاق واسع بأن انخفاض تركيز الملوثات، والتي تشمل ثاني أكسيد الكربون، ساهم في انخفاض نسب المواد الجسيمية في الغلاف الجوي في العديد من المناطق في العالم، ولكن لم يكن الحال كذلك في منطقة شبه الجزيرة العربية التي زادت فيها نسب المواد الجسيمية والغبار نتيجة حركة الرياح النشطة. الأمر الذي يعكس الطبيعة الصعبة للغبار وعلاقتها مع العوامل الطبيعية والاصطناعية التي يسببها الإنسان، حيث أن الحد من الملوثات الناتجة عن الأفراد لا يعني بالضرورة الحصول على بيئة أنظف وأنه من المهم الأخذ بعين الاعتبار  دراسة الغبار وأثرها في المناخ الإقليمي عند وضع الاستراتيجيات الإقليمية الرامية للحد من نسب الملوثات".